الحرم القدسي الشريف
صفحة 1 من اصل 1
الحرم القدسي الشريف
( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا، إنه هو السميع البصير ) " الإسراء "
كان ذلك في السابع والعشرين من رجب من السنة العاشرة من البعثة حيث استقبله جبريل عليه السلام، ثم صلى بالأنبياء في موضع المسجد الأقصى الذي كان بناؤه الأول بعد بناء الكعبة بأربعين عاماً، ومنه عرج به صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى حيث تلقى من ربه الأمر بإقامة الصلاة خمس مرات في اليوم.
والقدس كانت قبلة المسلمين طيلة العهد المكي وحتى السنة الثانية من الهجرة، فقد أقيم مسجد قباءـ أول مسجد في الإسلام -متجهاً نحو بيت المقدس ثم أعيد بناؤه فيما بعد باتجاه الكعبة المشرفة وفي وسط المدينة المنورة يوجد "مسجد القبلتين" وقد سمي كذلك لأن به محرابين الأول كان يُصلى به باتجاه بيت المقدس وعندما نزلت الآية الكريمة ( فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) "البقرة: 144" أرسل صلى الله عليه وسلم من يخبر أهل هذا المسجد بتغيير القبلة وكانوا في صلاتهم فاتجهوا فوراً نحو مكة المكرمة وبقي المحرابان في هذا المسجد حتى الآن.
تاريخ القدس
القدس عروسة المدائن وأرض الرسالات لم تكن يوماً موئلاً للأديان السماوية كلها إلا في العهد الإسلامي ولم تكن واحة سلام للبشرية إلا في ظل سماحة الإسلام وحضاراته... مدينة ضاربة في أعماق التاريخ، أسسها العرب اليبوسيون من قبائل كنعان في الألف الرابعة قبل الميلاد، ثم توالى عليها العبرانيون والآراميون والحثيون والحوريون، هاجر إليها إبراهيم عليه السلام وسكن في الخليل حوالي 2085ق وجاءها داود عليه السلام حوالي 1049ق م وسليمان عليه السلام حوالي 1015ق م ، ثم تقاتلت عليها قبائل الجاهلية ونهبها الفرس وهدمها الرومان، حطت فيها اليهودية فتخاصمت فرقها ثم جاءت المسيحية فذاقت الأمرّين من حكامها الرومان وحلفائهم فجاء رسول البشرية صلى الله علية وسلم ليؤم الأنبياء جميعاً في أرض المسجد الأقصى ويرتقي من صخرتها إلى سدرة المنتهى. هي أرض الأقصى وقبة الصخرة ومسجد عمر والمصلى المرواني ومسجد البراق... هي أرض السلام، فيها ثاني مسجد عُبد فيه الله حق العبادة وأول قبلة للمسلمين وثالث أقدس بقاع الأرض كلها، إليه تشد الرحال وعلى أطرافه يحشر الناس ليلاقوا يومهم الذي كانوا يوعدون.
والقدس كلها حرم وآثارها تدل على إسلاميتها رغم الادعاءات والحفريات المتكررة، وشعبها المصابر ليس لفيفاً من هنا وهناك،بل هو شعب أصيل متجذر في أعماق تاريخها،متطلع إلى السماء واثق بنصر الله ودفاعه عن محارمه.
بقيت القدس تحت سلطة الرومان وشرائعهم وسلطة الكنيسة الشرقية وتفردها بحق العبادة وسلطة الإقطاع وظلمه حتى تم الفتح على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ولو استثنينا فترة التسعين عاماً التي جثم فيها الصليبيون على القدس والاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967م لوجدنا أن مقتضيات التوحيد الخالص وحرية العبادة من جهة ومقتضيات التعلم بكل أصنافه وفنونه كانت المحرك الدائم لتطور العلوم والفكر والفن لمدينة القدس حيث تمازجت وتلاقحت العلوم والمهارات الوافدة من شتى أصقاع العالم القديم فجعلت من هذه المدينة عاصمة الإسلام العلمية وبوتقة نتاجه الحضاري . وفي حين كانت حواضر العالم الإسلامي العلمية والسياسية تزدهر دهراً وتخبوآخر، كانت القدس تسير بخط تصاعدي منذ الفتح العمري بل وكانت محطة رعاية الخلفاء والسلاطين والأمراء كلهم جميعاً فلادمشق ولا الكوفة والبصرة وبغداد ولا حتى قرطبة وفاس والقيروان والقاهرة حظيت بعناية المسلمين، حاكمهم ومحكوميهم، مثلما حظيت " مدينة المدائن " من عمران وتجديد وتحسين.
فالخليفة الأموي الأول جعل القدس مكاناً لبيعته عام 661م رغم أنه اتخذ دمشق عاصمة للخلافة.
وعبد الملك بن مروان بدأ خلافته ببناء مسجد قبة الصخرة عام 691م وسط الحرم القدسي الشريف والمسجد الأقصى في المنطقة الجنوبية، ولكن المنية لم تمهله ليرى المسجدين فاستأنف الوليد بن عبد الملك البناء وزاد فيه رواقاً على امتداد حائط الحرم الداخلي، كما بنى القصور الأموية وأربطة الجند ودور الضيافة خارجه.
ومع قيام الدولة العباسية عام 750م واستقرارها أمر المهدي (الخليفة العباسي الثالث) عام 775م بإعادة بناء الأقصى الذي تصدع بفعل زلزال حدث عام 747م وبتوسعته وإنشاء القباب في حرمه أعطى دفعة قوية لنشاط الحركة العلمية فيه، ثم جاء المأمون فأصلح مسجد القبة وزينه وحسن المدينة وضرب الدينار العباسي باسم " القدس " .
وبحلول الدولة الفاطمية في نهاية الألفية الميلادية الأولى زاد الرخاء والعمران في القدس على يد الخليفة الظاهر، وبذلك تلاقحت علوم أهل الشمال وفنونهم أيام الأمويين، وعلوم أهل الشرق وفنونهم أيام العباسيين ثم أهل مصر أيام الفاطميين والقدس تكبر وتسمو بسمو وجهها الحضاري المتعدد المناهل مصفىً ومغربلاً ومتجانساً، قاعدته التوحيد وآفاقه حيث ينتهي الإبداع الإنساني فناً وعلماً.
ورغم وهن الدولة الإسلامية وتزايد ضغوط البيزنطيين عليها، هرع السلاجقة بقيادة ألب أرسلان من بلاد داغستان والشيشان وقرقيزيان ليوقفوا الزحف البيزنطي نهائياً إثر معركة "ملاذ كرد" عام 1071م ، ومع أن السلاجقة كانوا رجال حرب لا رجال علم وفن إلا أن حسهم الإيماني دفعهم لبعث النهضة العلمية في القدس كما لم يحدث لها من قبل ، وعينوا " نظام الملك " راعياً لذلك، فاستقدم لها العلماء والفقهاء ، وجاء بطلبة العلم من كل مكان ، وعزز سلطة القضاء وأمر بتدريس الفقه على المذاهب الأربعة . وكان من رواد القدس حينئذ القاضي أبو بكر بن العربي أشهر علماء الأندلس وأبو حامد الغزالي أعظم علماء عصره حيث بدأ فيها تدوين كتابه الأشهر "إحياء علوم الدين" وأتم مؤلفه "الرسالة المقدسية" وما زال كرسيه فوق البوابة الذهبية إلى يومنا هذا.
وحدثت الانتكاسة الكبرى في 15 يوليو 1099م مع دخول رعاع الصليبيين القدس بكل ما حملوه من حقد وجهالة ونزوع للنهب والسلب بفعل تحريض البابا يوربان الثاني وأمراء الإقطاع وملوك أوروبا،فدمروا المدينة وقتلوا 40,000 من سكانها خلال يومين فقط ثم جمعوا ما تبقى من أسرى المسلمين في المسجد الأقصى وذبحوهم داخله ذبح النعاج ، كذلك فعلوا باليهود ومن خالفهم من النصارى وحرقوهم أحياء في معابدهم بعد أن أعطوهم عهد الأمان ... وراحوا يطمسون كل أثر للمسلمين في المدينة ، فنصبوا صليباً كبيراً من الذهب على قبة مسجد الصخرة وأسموه معبد السيد الرب (Domini Templum) كذلك فعلوا بالأقصى فاسموه معبد سليمان ثم اقتطعوا جزءاً منه ليصبح قصوراً لملوكهم وأمرائهم ومقراً لقيادتهم وثكنة لفرسان الهيكل (Templars) كما جعلوا سراديبه مربطاً لخيولهم لما يقارب مائة عام حتى جاء الفتح الذي بدأه نور الدين زنكي وأتمه صلاح الدين الأيوبي يوم الجمعة 27 من رجب 582هـ/2أكتوبر1187م فأعاد للقدس وجهها الإسلامي الوضاء وروح التسامح والعدل، وأعاد المشردين من اليهود وبقية الطوائف المسيحية وعامل حتى الصليبيين بالحسنى والرفق واللين، ومع الأيام انتقل حكم القدس من الأيوبيين إلى المماليك، الذين رغم انشغالهم بمقارعة التتار، عنوا بالقدس فبنوا منارات الحرم الأربع في الجهتين الشمالية والغربية وأقاموا العديد من المدارس والزوايا وسبل الماء، ثم حل العثمانيون محلهم بعد 300 سنة (عام 1517م) فسخروا إمكانات الدولة العثمانية لخدمة القدس وأهلها وجددوا بحسهم العسكري مبانيها وأقاموا لها الأسوار والأبواب والأبراج والقنوات، وأمر السلطان سليمان القانوني بتغطية سطح قبة الصخرة بالقيشاني الفارسي وبتحزيمها بأربعين ألف قطعة من الخزف المخطوط عليها سورة "يس". كذلك فعل عبد الحميد الأول ومحمد الثاني وعبد المجيد الأول وأخيراً عبد الحميد الثاني الذي دفع عرشه ثمناً لحماية فلسطين من تسلط الصهيونية عليها إلى أن جاء الانتداب البريطاني عام 1917م فجهزها لتكون دولة صهيونية تسارع العالم إلى الاعتراف بها في 15 مايو 1948م.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى